المرأة والحضارة .. عندما تصبح "الحضارة" في خطر..
هل مازال البحث في قضية المرأة أو أية قضية أخرى بخلاف أزمة الوطن والأمة مسألة مقبولة أو مبررة أخلاقيا ؟ سؤال وجدته يقفز إلى ذهني بعد شهور من العزوف عن مواصلة الاهتمام بهذه القضية التي كانت لسنوات سابقة قضية حياة.. عزوف قادني إليه وزميلاتي استغراق واهتمام فُرض علينا فرضا بقضايا الوطن والأمة التي تحولت من مجرد هموم وشواغل طبيعية -تنشغل بمثلها كل نساء العالم دون ان يفت ذلك من عضد بعضهن في الاهتمام بقضيتهن- تحولت الى كوارث وأزمات.
في رأيي أن أعلم العلماء وأفصح البلغاء لا يستطيع أن يحيط إحاطة تامة بما نحن فيه من مأساة ، ربما لهول وجسامة النكبة.. وربما لأننا مجرد جزء ضئيل منها نقبع في قلب عاصفتها.. ولا نملك في هذه اللحظة مفارقتها أن الخروج منها لاستيعاب أبعادها وحجمها.
هل محنتنا تكمن في الاختراق الخارجي الى حد الاحتلال الغاشم لأجزاء من الأمة، أم في مضي المشروع الصهيوني نحو مرحلة جديدة من العلو والتبلور سنشهد معها خلال أمد قصير خروجات جديدة لأهل فلسطين، وربما تهويدا كاملا للقدس وحدا للماحكة بشأن وجود الأقصى. . هل نكبتنا تكمن في الجمود والعجز السياسي للنخب الحاكمة أم في الفتنة الكبرى لأهل الأديان والمذاهب على اختلافها ما بين التشدد الممجوج والتلاعب بآيات الله وفتنة الناس في دينهم وتجييشهم في صدامات مذهبية وطائفية مغموسة بطعم الكراهية والأحقاد التاريخيةوالتحريض الخارجي وأوهام الانفراد والزعامة...هل الكارثة تقبع في شيوع الفساد إلى حد التشبع واستحالة احتوائه بوسائل معتادة، أم في ثبوت الفشل الاقتصادي الذريع وانهيار مشروعات وخطط اقتصادية ضاع معها عمر جيلنا هباء لنقف عاجزين وأبناءنا قابعين في المنازل عاطلين.. هل المحن تتجلى في انهيار الفن كملاذ لروح الإنسان وانسحاق مفهوم الجمال بلا رجعة مفسحا الآفاق أمام سيادة غير مسبوقة لمملكة القبح،.. هل النكبة هي هزيمة العقل أمام جيوش المصلحة الأنانية والفردية الساحقة ، هل في غياب الأمن والخوف من الغد ، وحرب الجميع ضد الجميع أم في طوفان السوقيين والسوقية بشرا ولغة وسلوكا وأخلاقا وما أنتجوه من نوعية شاذة للحياة. هل النكبة في مناخ عام لا تحتمله الأعصاب من التلوث السمعي والبصري وخطط منهجية منظمة يقوم بها الناس أنفسهم للقضاء على البيئة طمعا في حفنة أو حتى كثير من أموال السحت، هل النكبة في انهيار غير مسبوق للأخلاق ومجاهرة فاجرة من الجميع بالمعاصي بدءا من النذالة والأنانية والكذب والخيانة وانتهاء بكل أشكال الفسوق والفجور. أم أنها في فوضى الكلمات والمعاني بدءا من انهيار اللغة، وانتشار النمطية وسقوط قياد المعنى واللفظ ومبادرة تطوير اللغات والمعاني في يد أحط فئات المجتمع، أم أنها في هيمنة منهج المناورة والتلاعب والنفاق المفضوح والخلط الممجوج بين نقائض الأفكار والجهل البين على لغة المثقفين علمانيين ودينيين على حد سواء.
إنها الفوضى بكل ماتعني الكلمة، الفوضى تضرب الجميع وكل الأشياء فلا تبقي ولا تذر.. نعاني جروحها اليومية على أبداننا ونفوسنا ، ونعاني أكثر من مقاومتنا اليائسة لانتقال هذه الفوضى إلى عقولنا فتسقط آخر معاقلنا. لقد كان العقل هو الملاذ الأخير للمثقفين في هذه الأمة ، وهم يخوضون اليوم أشرس معاركهم ليس في مواجهة كل عوارض الفوضى خارجهم بل وفي الذود عن عقولهم التي هي آخر أمل للأمة من أن تمتد رياح الفوضى اليها . .
عقول المثقفين نساء ورجالا هي آخر أمل تبقى –للأمة وربما العالم المنكوب - .. والأمل الوحيد يقى في مواصلة هذه العقول قدرتها الأصيلة على نظم مشكلات الواقع والثقافة في هيكل متماسك من الأسباب والنتائج، الأمل يبقى في مواصلة هؤلاء القدرة على تشغيل آليات التحليل والتفسير ، وأخيراً في استمرار قدرتهم على الاحتفاظ بشعلة الإبداع وطرح الأفكار واقتراح الحلول لإنقاذ الإنسانية من كبوتها.
في هذا الخضم أعتقد دون ذرة شعور بالذنب أن على قضية المرأة لابد أن تتنحى مؤقتا.. واسمحوا لنا نغير مفهوم او مدلول شعار المرأة والحضارة من مفهومنا السابق بأن حل قضية المرأة هي أحد المداخل الأساسية لحل قضية الأمة إلى مفهوم أحق وهو أن دور المرأة في حل مشاكل الأمة ومواجهتها بكل القوة والفعالية قد أصبح ضرورة لا سبيل لإرجائها .. إنها فرض عين لا فرض كفاية..
|