الجمعية مشهـرة برقــم 4165 بتاريخ 3/3/1999
أضف للمفضلة | البريد الإلكتروني | شروط الاستخدام
إطلالة أسبوعية
أنت هنا: الرئيسية : إطلالة أسبوعية
"منى وما أدراكم من منىٰ" | 07/11/2010
د.طه جابر العلواني

إنّني قادم من ثقافة كانت ترى مجرّد التصريح باسم الزوجة عيباً، فمجرد التصريح باسمها يعد خروجاً على تقاليد القبيلة وإذا كان لابد من ذكرها فيكنَّىٰ عنها "بالأهل" فيقول الرجل: "أهلي أو أهل بيتي أو أم الأولاد أو ما شاكل ذلك".

 لكنّي أذكر اسم "مناي" بفخرٍ واعتزاز، وكتابتي عن "مناي" التي عَرَفْتُ ليست بالأمر السهل. فَمُنَى تعني لي الكثير؛ فهي أُمٌّ إذا تَعَطَّفَتْ، وأبُّ إذا أشْفَقَتْ، وأختٌ إذا تلطفتْ، وصديقة إذا فَرَغَتْ، ونورٌ إذا الدنيا أظلمتْ، وبهاءٌ وسناءٌ إذا هي ضحكتْ أو ابتسمتْ، وزميلٌ إذا أقفرت، وزوج إذا خلت. وابنةٌ إذا رقَّتْ، وأستاذ قدير إذا استرسلت وتلميذة نجيب إذا هي أنصتت.

عايشتها ثلاثاً وعشرين عاماً من أهم مراحل عمري إنْ نظرتُ إليها سَرَّتني، وإن غبْتُ عنها حفظتني، وإن أقبْلتُ عَلَيْها أَقَبَلَتْ وإنْ أعْرَضْتُ عَنْها أو شُغِلتُ عَرَضَتْ بلطف وعلى استحياء مساعدتها ثم انسَحَبتْ، إذا أُوْذِيتْ صَبَرَتْ، وإذا رَابَها شيء تكتمت، فإذا اشتكت مضطرة تلطَّفت. لا يعرف الغضب إلى نفسها سبيلاً، ولا يجد الغرور إلى ضميرها طريقاً.

 ولا يعرف البغض إلى قلبها مسلكاً. عندما تتأَمّل تتأَمّل تأمُّل الفيلسوف، وتنطق إذا هي نطقت نطق الحكيم، وتكتب فلا تفارق البلاغة والفصاحة قلمها الرشيق بأيّ لغة كتبت، وتقدم ما تقدم وتجعل المخاطَبَ يسمع أصوات أفكارها المتدفقة المتتابعة وهي تتدافع لتصل إلى لسانها. قرآنيَّة الهوىٰ، إسلاميَّة الوجهة، زينبيَّة العاطفة، خديجيَّة المساندة، زهريّة التكوين، عائشيَّة المعارف. لا مِثْلَ لها في النساء عندي، ولا بَدِيْلَ عَنْها لديّ، ولا عَوِضَ لَها يخلفها في قلبي ونفسي وعقلي، فجعت بها وأنا أشد ما أكون حاجة إليها ولا نقول إلاّ ما يرضي الرب وحسبنا الله ونعم الوكيل. وإنا لفراقك يا "مُنْ مُنْ" لمحزنون. وإنا لله وإنّا إليه راجعون.

منى والمعهد:

كثيرون يتساءلوا عن الأسباب التي حملت د.منى يرحمها الله على الذهاب إلى أمريكا والإقامة فيها، وترك البراعم التي زرعتها دون رعاية تذكر ، ولهؤلاء أقول: إنّ منى كانت جندياً مجهولاً في المعهد ورسالته، لقد كانت منى في مقدمة هؤلاء الذين أنعم الله على المعهد بانضمامهم إليه، فمنى كانت مفكّرة مسلمة على أعلى مستوى بل لا أترددّ في وصفها بأنّها فيلسوفه كبيرة بدأت في طرح مشروعها الفكريّ في نفس الوقت الذي طرح المعهد فيه مشروعه الفكريّ.

ففكر المعهد معضّد لفكرها وليس منشئاً له. لقد كانت تقف قبل الانضمام للمعهد على دعائم فكريّة راسخة؛ لأنها كانت تدرّس مشروعها لطلابها في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية منذ عام (1973) فأسّست مشروعاً كاملاً، قبل الاقتران بي وقبل الاتصال بالمعهد، وطبّقته في تخصّصين هامّين من العلوم الاجتماعيَّة هما "النظم العربيَّة" والنظريَّة السياسيّة" أقامت د.منى مشروعها الرائد ذاك على قوائم أربعة هي:

1. "المنظور الحضاريّ" وأصوله ومصادره التاريخيّة والتنظيريّة.

 2. "النسق القياسيّ" وهو بمثابة نموذج تحليليّ وتصور تجريديّ تستنبط خصائصه من التقاليد والخبرة التاريخيَّة للكيان الاجتماعيّ الحضاريّ، وهذا النسق القياسيّ هو الذي جعلته مقياساً تقيس به "الدولة الشرعيَّة" وتحدّد به ملامحها.

 3. الإطار المرجعي: وهو إطار يتيح وضع المفاهيم ليكون بمثابة الضابط الناظم لها دون أن ينفصل عنها؛ إذ أنَّ المفاهيم تشكل دعائم الإطار.فالمفاهيم داخل الإطار المرجعيّ تبدو كأنّها أفراد يصدق عليهم لفظ واحد.

 4. الأمَّة وكيفيَّة إعادة بنائها بتوظيف كل ما بلغته المعارف والعلوم والخبرات والتجارب الإنسانيَّة، وما يمكن استقاؤه من مصادر التنظير الإسلاميَّة والسيرة العطرة، والخبرة التاريخيَّة الإسلاميَّة عبر العصور مع كيفيَّة توظيف القيم والمقاصد القرآنيّة ومقاصد الشريعة في ذلك. ومعطيات "علوم السياسة المعاصرة".

ولما تولت "مشروع الفكر الغربيّ" في المعهد تولَّته بعد أن كانت قد أنضجت مشروعها الفكريّ وكونت رؤيتها، وبدأت خطوات عمليّة ثابتة في بلورة مشروعها الحضاريّ. واستطاعت تعليمه وتدريب طلابها على التعامل معه، وصدرت لهم ـ بعد ذلك ـ بحوث ودراسات أعدت من ذلك المنطلق. ولذلك فإنها كانت إضافة نوعيَّة كبرى لو أنَّ المعهد استطاع أن يدمج مشروع منى بمشروعه بشكل مدروس، وجعل منهما مشروعاً واحداً منذ البداية لربما قطع المشروع الموحّد بذلك مراحل أكثر مما قطع. وقدر الله وما شاء فعل.

والمرء مادام حيّاً يستهان به               ويعظم الرزء فيه حين يفتقد

 
رجوع
 
تعليقات القراء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها

اكتب تعليقك على الموضوع

أضف تعليقك
الإسم
 
البريد الإلكتروني
 
التعليق
 
أعلى الصفحة
 
عن الجمعية
دراسات وأبحاث
دورية المرأة والحضارة
أوراق أ. د. منى أبو الفضل
إصدارات
ندوات
ورش عمل
عروض كتب
إبداعات
جميع الحقوق محفوظة 2010 - جمعية دراسات المرأة والحضارة